الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.مما لا شك فيه أن الإنسان يميل بطبيعته إلى تقليد واتباع من هو أكبر منه أو أقوى منه، أو تقليد من يعجب به لشهرته ونجوميته، غير أن هذا التقليد قد يؤدي أحيانا إلى نتائج سلبية وعواقب وخيمة. وهذا ما نراه في بعض شبابنا اليوم حيث أنهم فقدوا شخصيتهم، وانسلخوا عن هويتهم، وانجرفوا مع التيار انجرافا. فأصبحنا نراهم في حالات غريبة، وهيئات منكرة، وأحاديث تافهة، وتصرفات مشينة، وحركات سافلة، لم نكن نعرف مثلها في مجتمعنا، ولم يكن أحد يجرؤ على القيام بها.فهذه رؤوس بعضهم وكأنها حقول حرثها جرار حسب هواهم، وحصدتها حصادة حسب رغبتهم، وشذبها فلاح حسب نزواتهم، فجاءت مختلفة الأشكال ، متنوعة المسالك والخطوط. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فعن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ : ( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن القَزع. قال: قلتُ لنافعٍ: وما القَزَعُ ؟ قال: يُحلَقُ بعضُ رأسِ الصبيِّ ويُتركُ بعضٌ ) [ صحيح مسلم / موقع الدرر السنية].وهذه أجسام بعضهم وكأنها أنصاب تحكم فيها مصممو الأزياء، فألبسوها ما شاؤوا من سراويل ممزقة أو ضيقة أو حجم قاعدتها صغير يكشف عن العورة، وأقمشة مثيرة وفاضحة، بعضها قصير وبعضها طويل دون انسجام أو تناسق. «وقد أوصى الإسلام بأن يكون المرء حسن المنظر كريم الهيئة، وألحق هذا الخلق بآداب الصلاة. قال تعالى:﴿ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾﴾ [ الأعراف: 31].» ((خلق المسلم/ محمد الغزالي.ص:151)). وهذه أجساد بعضهم وكأنها لوحات فنية تفنن الرسام في وشمها وتلطيخها بالمساحيق والأصباغ. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الوشم، فعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ـــ أن النبي صلى الله عليه وسلم ــ (نهى عن الوشم) [ الجامع الصغير للسيوطي/ موقع الدرر السنية]، كما لعن صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة، فعن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــ قال :( لَعنَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الْوَاصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلَةَ، والْواشِمَةَ والْمُسْتَوْشِمَةَ .) [صحيح البخاري/ الدرر السنية] .إن ما يفتقده شبابنا لتصحيح مسارهم في هذه الحياة، وابتعادهم عن هذا التقليد، هو القدوة الحسنة والتي لها سحر التأثير البليغ على سلوك الإنسان، والدور الفعال في إصلاح الفرد والمجتمع. قال الفيلسوف الألماني ألبرت شفايتزر: « لا تعتبر القدوة أهم عنصر من عناصر التأثير على الآخرين، بل هي العنصر الوحيد.». وقال أيضا:« القدوة قيادة».لذلك على شبابنا أن يتركوا هذا التقليد الأعمى للمطربين والمطربات، والممثلين والممثلات، والرياضيين والرياضيات، لأنه عمل تافه، لا نفع فيه ولا طائل منه، وما هو إلا نزوة عابرة ، واندفاع مؤقت، وتحمس زائف، سرعان ما يفتر ويضمحل وتحل بدله الندامة، ندامة على تلك الأوقات الثمينة التي أهدروها، وتلك الأموال الكثيرة التي بذروها، نسأل الله لنا ولهم الهداية والسداد. فعليهم أن يبحثوا عن قدوة تنفعهم في دنياهم وأخراهم، وإن قدوتنا نحن ــ المسلمين ــ هو رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالا لقول ربنا عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 21).قال الشاعر: وإن نحن أضللنا الطريق ولم نجد دليــــلاً كفانا نور وجهك هـاديـاوعلى الآباء والمربين والعلماء مسؤولية تعليم الأبناء والطلبة والشباب سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام، لأن في الاقتداء برسولنا صلى الله عليه سلم الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وعليهم أن يدرسوهم قصص الأنبياء، وسير الصحابة والصالحين. وأن يكونوا بدورهم قدوة لهم وذلك بمطابقة أقوالهم لأفعالهم. قال بعضهم:« ليس الحكيم الذي يلقنك الحكمة تلقينا، وإنما الحكيم الذي يعمل العمل فتقتدي به.»ولقد اعترف المستشرقون غير المسلمين للرسول صلى الله وعليه وسلم بهذه القدوة، وانبهروا بها، فخصصوا لها حيزا كبيرا في كتبهم ومؤلفاتهم وخطبهم ومحاضراتهم. يقول الباحث الفرنسي (كليمان هوارت): « لم يكن محمد نبياً عاديـاً، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، نبي ليس عاديـاً من يقسم أنه (لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها)، ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلماً».[ موسوعة الدفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم/ علي بن نايف الشحود].ويقول الشاعر الألماني (جوته): « ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم»[آفاق جديدة للدعوة/ أنور الجندي].وقال جان سبيرو السويسري: «إنه مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة محمد النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ لا بكتب أعدائه وشانئيه بل بتأليفات معاصريه، وبالكتاب والسنة، إلا وأدرك اسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضين وحتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه» [موقع ياهو/ ماذا قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم]كم نتمنى أن نرى شبابنا وقد تخلوا عن ذلك التقليد الأعمى التافه الباطل، وتأسوا بنبيهم العظيم في أقواله وأفعاله وأخلاقه. قال تعالى:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [ القلم:4].كم نتمنى أن نرى شبابنا، وقد تأنقوا في لباسهم في غير إسراف، وتجملوا في هيئاتهم في غير تكلف، وترفعوا في أحاديثهم عن الكلام السافل والبذيء، وابتعدوا في معاملاتهم عن التصرف المشين والدنيء.كم نتمنى أن يدخل شبابنا الفرح والسرور عل قلوب آبائهم وقد غيروا سلوكهم، واستشعروا مسؤوليتهم، وتطلعوا إلى تحقيق أهداف عالية، ولم يستسلموا للضعف والعجز، ولم ينقادوا للشهوات والشبهات. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق