من خلال البعثات العلمية إلى الأراضي الشاسعة من السهول والصحراء التي تمتد على طول يصل نحو 2000 كم من أنغولا وحتى جنوب أفريقيا، تظهر بقع عارية من التربة غالباً ما تحيط بها الأعشاب الخضراء وهي معروفة من قبل السكان المحللين منذ فترة طويلة ولكن العلماء اطلعوا عليها منذ فترة وجيزة.وفي عام 2005 تعرف عالم الأحياء وولتر تشينكل من جامعة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة عليها عندما كان في نزهة في إفريقيا. وبعد تحليل لصور الأقمار الصناعية التي التقطت لمحمية NamibRand في ناميبي خلال 4 سنوات استنتج وولتر بأن حياة ما تدب في هذه البقع التي تظهر على شكل دوائر منتظمة وهي موجودة منذ 41 عاماً مع العلم أن بعض العلماء اشتبه بأن القضية تكمن في حركة النمل الأبيض لكن الحفريات التي قام بها السيد تشينكل لم تسمح بالعثور عن أثار لهذا. كما أنه لم يتم العثور على أي شيء غير عادي في التركيبة الكيميائية للتربة.وفي عام 2006 أثارت هذه الدوائر اهتمام عالم البيئة نوربيرت يورغينس من جامعة هامبورغ في ألمانيا عندما كان في رحلة في أفريقيا ولفت انتباهه إلى حقيقية أن هذه الدوائر السحرية تارة تظهر وتارة تختفي لكنه في الوقت نفسه أكد وجود حياة فيها وفي محيطها وأخذ يقوم بإجراء أبحاث عن حياة تحت الأرض.ومع ذلك وبعد القيام بـ40 بعثة علمية وجد السيد يورغينس تفسيراً لهذه الدوائر وأكد أن نوع واحد منها متواجد باستمرار أطلق عليه اسم "النمل الأبيض الرملي".وهنا لا يرى العالم ما يثير للدهشة في حقيقة أن السيد تشينكل غاب عنه معرفة وجود النمل الأبيض الرملي وذلك لأنه كان قادراً على الغوص عبر الرمال تاركاً وراءه أثاراً رقيقة جداً. وعلى عكس الأنواع الأخرى فإن النمل الأبيض لا يقوم ببناء أماكن معقدة تحت الأرض ولا يبني أعشاشاً فوقها، ولا تخرج إلى سطح الأرض إلا في الليل.ويعتقد السيد يورغينس أن النمل الأبيض الرملي يضر بجذور النباتات ويتغذى منها أثناء قيامه ببناء أنفاق تحت الأرض والنتيجة تتشكل تدريجياً هذه الدوائر السحرية علماً أن العالم كان قد عثر على النمل الأبيض الرملي في جميع الدوائر الـ 24 الجديدة التي شاهدها في ناميبي.تجدر الإشارة هنا إلى أن النمل الأبيض الرملي يحتاج إلى درجة معينة من رطوبة الجسم وبالتالي يلجاً إلى تحرير التربة من النباتات التي تمتص بسرعة هائلة الأمطار القليلة التي يمكن أن تسقط في السنة. أظهرت السنوات الأربعة من مراقبة رطوبة هذه المناطق بواسطة معدات خاصة بأن الدوائر السحرية تلعب دور خزانات المياه حيث بينت المؤشرات أن نسبة الرطوبة المطلوبة للنمل الأبيض الرملي لم تنخفض أقل من خمسة بالمئة في الطبقة الأولى من التربة التي تصل سماكتها 60 سم ، وهذا هو السبب نفسه لوجود أعشاب خضراء طويلة على حدود الدوائر.يرحل النمل الأبيض الرملي في موسم الأمطار للبحث على قوته في المروج المحيطة ويعود أثناء المواسم الجافة إلى دوائره التي تزداد مع الوقت.ويتساءل الخبراء لماذا تتعرض بعض هذه الدوائر للموت؟ للأسف لا يوجد هناك جواب حتى لدى السيد يورغينس، أما المعتقد السائد يقول أن هذا بسبب تنافس النمل فيما بينهم.لا يشاطر زملاء السيد يورغينس فرضيته، حيث يؤكد فيفيين إيس من مجلس الأبحاث الزراعية في جنوب أفريقيا أن هذه النتائج تثبت ما هو معروف عن النمل الأبيض لكن العلاقة بين محاولاتهم في العثور عن الطعام وتحول التربة لتصبح أشكالاً لدوائر عارية مثالية غير واضحة.ويعتقد السيد تشينكل بأن السيد يورغينس ارتكب خطأ شائعاً عندما خلط بين العلاقة المتبادلة مع الحالة السببية، وإذا كان العالم يصرح علانية بأن النمل الأبيض يقتل الأعشاب فعليه أن يأتي بأمثلة لإثبات ذلك.في حين أن الدكتور مايكل كرامر من جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا لا يرى أي علاقة بين الدوائر والنمل الأبيض وهو الآن في صدد الإعداد لمقالة يثبت فيها بأن الدوائر تتشكل نتيجة التنافس الكبير بين الأعشاب على الموارد المائية الضئيلة.جدير بالذكر أن السيد يورغينس مازال ثابتاً على موقفه وإن الدوائر السحرية هي عبارة عن واحات ليست فقط للنمل الأبيض الرملي وإنما لغيرها من الأنواع الحيوانية الأخرى بدءاً من الحشرات وانتهاءً بالطيور والثدييات بما فيهن بنات آوى والثعالب والخنازير وغيرها والتي تتغذى على النمل الأبيض والحشائش الطويلة وبشكل عام وبحسب تقدير السيد يورغينس فإن التنوع البيولوجي للدوائر تزيد ب 10-20 ضعفاً عما هي في المناطق المحطة، وما يذهل العالم ويدهشه هو كيف تمكن النمل الأبيض من خلق نظام بيئي حيوي بوجود 50 ملم فقط من الأمطار السنوية.
Top
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق