السرطان: كلمة تلقى بظلها القاتم الكثيف على أيام الإنسان فتنكسر الروح ويرتجف لها البدن. أكثر من مائة نوع من النموات الخبيثة تطال كل خلايا جسم الإنسان وأعضائه بلا أى استثناء، كانت إلى عهد قريب مرادفا للهلاك.
شهدت سنوات هذا القرن انتصارات للعلم متلاحقة على ذلك الخطر الداهم الذى يواتى الإنسان من داخله فلا يمهله. استطاع العلم أن يبنى حصونا قوية لرد العدوان فتطورت تقنيات تشخيص السرطان وعلاجاته إلى الحد الذى تراجع أمامها فأصبح فى عداد الأمراض المزمنة. أما الأنواع الشرسة منه فقد صمد العلم أمامها فى معركة متكافئة جعلت من يصابون بها يلقون رعاية طبية أفضل تعينهم على لقاء قدر محتوم.
فهل يمكن الوقاية منه؟تنظيم خلايا الإنسان فى عقد فريد تحت إدارة قوية تحكم توجيهها. تحل الخلايا الجديدة محل الخلايا التى أدت دورها فى نظام يحكم بلا زيادة أو نقصان وفقا لحاجة الجسم واحتياجات أعضائه المختلفة إلى أن تعلن خلية لسبب مجهول العصيان فتنفرد بطريقة غريبة للانقسام فتبدأ النار من مستصغر الشرر. تنضم لتلك الخلية أخريات لتبدأ حربا شرسة بين تلك الخلايا التى مسها الجنون فباتت تنقسم فى سرعة مذهلة لتنتج ملايين من الخلايا المشوهة الشرسة التى تزاحم الخلايا الطبيعية فتزيحها من أماكنها لتحتلها بتكتلات هى الأورام ولا تكتفى بهذا القدر من العدوان إنما ترسل رسلها عبر الدم إلى الأماكن البعيدة لتستقر فيها بما يعرف بالأورام الثانوية.
فقد يبدأ السرطان فى الرئة لكن أورامه الثانوية تنتقل إلى الكبد أو المخ أو العظام فى انتشار خبيث غير محسوب العواقب. يبدو الأمر كانتحار جماعى لخلايا ذلك العضو سيئ الحظ المصاب بالسرطان رغم أن أنواع السرطان تفوق المائة عدد إلا أن هناك أربعة أنواع هى الأكثر انتشارا وتتبع فى تسميتها أصل الخلايا التى تصيبها هى:
Carcinoma, Sarcoma, Lymphoma, and Leukemios
الأولى هى أكثر الأنواع انتشارا وتصيب الجلد، الرئة، الثدى، البنكرياس وأعضاء أخرى كما تصيب الغدد أيضا. أما الثانية فأقل حدوثا وإن كانت تصيب العظام والعضلات والغضاريف أما الليمفوما فتصيب الجهاز الليمفاوى بينما اللوكيميا هى أمراض الدم السرطانية.
هل يمكن الوقاية من السرطان؟
نعم الوقاية من السرطان ممكنة فى حدود ما نملك عنه من معرفة.
يقترب العلم فى عصرنا من رسم لوحة كاملة واضحة المعالم للسرطان وإن كان ينقصنا بعض من التفاصيل الهامة. يحمل كل منا على مورثاته الجينية بعض المفاتيح التى تستجيب لشفرة مبهمة يتلقاها من خارج الجسم فى أغلب الأمر ليبدأ نشاطه الشرس. لنا أن نسمى هذا الطرف الثانى مادة مسرطنة (Carcinogens) إذا استطعنا تفادى تلك المواد أو العوامل المسرطنة كانت لنا الحماية والوقاية. الوقاية لا تكتمل فقط بتفادى العوامل البيئية الخارجية المسرطنة إنما أيضا برصد عوامل الخطر فى الإنسان نفسه كالإصرار على التدخين، وارتفاع ضغط الدم بلا علاج، والسمنة الزائدة، والعادات الغذائية السيئة وأنماطها التى لا تتناسب مع سن الإنسان وظروفه الصحية. علما بأن تلك العوامل تزداد خطورتها مع السن.
هل للسرطان أعراض؟
فى البدايات لا تصدر عن السرطان أى أعراض تلفت النظر إليه لكن هناك بعضا من الأعراض والظواهر التى يجب الالتفات إليها بجدية:
ــ إذا ما لاحظت تغيرا فى حجم أو لون حسنة فى الجلد تعودتها.
ــ إذا ما ظل جرح غير قابل للالتئام.
ــ إذا ما عانيت من سعال بدون سبب واضح خاصة إذا صاحبه بحة فى الصوت.
ــ إذا ما تغيرت عاداتك فى استعمال دورة المياه خاصة إذا صاحب ذلك نزيف.
ــ إذا ما أصبت بسوء الهضم وصعوبة البلع.
ــ إذا ما ألم بك صداع غريب عليك داهم واستمر لفترات طويلة.
ــ إذا ما نقص وزنك رغم ثبات عاداتك الغذائية بصورة مستمرة.
ــ إذا ما تكررت نوبات العدوى أو لازمتك حمى مستمرة أو متقطعة.
ــ إذا ما ألم بك تعب مستمر وإجهاد بدنى لا تعرف له سبب خاصة إذا ما صحبه رغبة فى القىء أو قىء بلا سبب واضح.
كلها علامات إنذار يجب التنبه لها وسرعة تحرى أمرها فاكتشاف النشاط السرطانى فى بداياته أفضل وسيلة لعلاجه. أما إذا تسلل خلسة وبدون إشارات إنذار فإن أعراضه تختلف وفقا لسلوكه وطبيعة انتشاره.
فقد يحدث آلاما فوق احتمال الإنسان أو أخرى تقف عند حدود الألم الذى يتردد محدثا ضيقا وإزعاجا محتملا. أو أعراض أخرى نتيجة ضغط على أعضاء مجاور له.
كشوف دورية تنبه لاحتمالات الخطر
الكشوف الدورية أو استشراف الخطر هى الوقاية الحقيقية من السرطان حتى وإن بدأ نشاطه. هناك العديد من أنواع السرطانات إذا تم اكتشافها فى بدايتها كان الشفاء الكامل منها فى متناول الإنسان كمعظم حالات سرطان الثدى.
فحوصات للرجال والنساء معا
• فحص الجلد بصفة دورية لاكتشاف أى تغيرات فى اللون أو الحجم لأى حسنات أو زوائد تعودها الإنسان فى أى مكان بجسمه.
• فحص القولون والمستقيم بالمنظار والبحث عن آثار الدم مختفية فى البراز. هى فحوص هامة للبحث عن بدايات سرطان القولون والمستقيم وهى معروفة فى العالم الغربى وتجرى باستمرار لكل من تخطوا الخمسين من أعمارهم مع ملاحظة أن تلك الأورام محدودة الانتشار فى منطقة الشرق الأوسط ربما لنوعية غذائهم الغنى بالفواكه والخضراوات الطازجة ومنتجات الألبان وزيت الزيتون والألياف النباتية.
• فحص الفم والأسنان: زيارة دورية سنوية لطبيب الفم والأسنان أمر ضرورى يمكنك دائما استخدام المرآة لمعاينة داخل الفم لاكتشاف أى تغير فى لون اللثة أو نزيف وبقع بيضاء أو قرح صغيرة على اللثة أو الغشاء المخاطى المبطن للفم كلها مقدمات قد تشى بخطر قادم خاصة للمدخنين أو من يتناولون المشروبات الكحولية وكل من تخطوا الخمسين من أعمارهم.
فحوصات للرجال فقط
• فحص البروستاتا: كل من تخطى الأربعين من عمره يجب أن يخضع سنويا لفحص البروستاتا الإكلينيكى عبرر المستقيم وأن يجرى تحليلا لدلالات أورام البروستاتا PSA.
• فحص الخصية: سرطان الخصية يبدأ نشاطه مبكرا فيصيب الرجال بين الخامسة عشرة والخامسة والثلاثين لذا يجب فحص الخصيتين أثناء الكشف الدورى السنوى العام يجب أيضا أن يتم من آن لآخر ذاتيا بحثا عن أى جسم صلب مهما صغر حجمه.
فحوصات للنساء فقط
• فحص الثدى وإجراء الماموجرام: يجب فحص الثدى بواسطة الطبيب مرة فى العام على الأقل على أن تتولى المرأة فحص نفسها ذاتيا باستمرار لاكتشاف أى تغيرات فى الجلد أو حلمة الثدى أو سوائل تخرج منها أو نزيف, الفحص بالأشعة قد يشير فى أحوال كثيرة لوجود ورم بالثدى أو تغيرات فى نسيجه التدخل السريع.
فحص المهبل وعنق الرحم
من الفحوصات الدورية السنوية المهمة التى يجب أن تفعلها المرأة حرصا على سلامتها يتم فيها فحص المهبل وعنق الرحل بالكشف الإكلينيكى إلى جانب إجراء فحص للخلايا «POP Test» التى يتم الحصول عليها من المهبل وعنق الرحم وصبغها ودراستها.
تظل الفحوص الدورية هى الوسيلة التى يعتمدها العلم للوقاية لكن تفادى المواد المسرطنة فى البيئة المحيطة بنا من ملوثات للبيئة ومبيدات وإشعاعات أيضا أمر يجب أن نتدبره. انتهاج نمط حياة يجمع بين الحفاظ على وزن صحى وتناول غذاء متوازن قليل اللحوم الحمراء والدهون المشبعة، كثير الخضراوات والفاكهة الطازجة والأسماك ومنتجات الألبان والمكسرات وزيت الزيتون مع الحركة المستمرة وتفادى الضغوط النفسية العنيفة والمستمرة واتقاء شر العدوى بالفيروسات «فيروسات الكبد» نقص المناعة المكتسبة والفيروس الحليمى البشرى من أفضل الوسائل الدفاعية الطبيعية التى يجب أن يلجأ إليها الإنسان لاتقاء شر السرطان. يظل أيضا التدخين أحد العوامل المسرطنة بالغة الأثر الأمر الذى يجب معه الامتناع عنه بلا تردد.
تظل خلايا الشر نائمة تحت جلد الإنسان تنتظر الشفرة التى توقظها وتبعث فيها الروح والرغبة الشرسة فى الدمار فإذا قطعنا عليها السبيل كانت لنا الوقاية.
Top
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق